روائع مختارة | روضة الدعاة | أدب وثقافة وإبداع | الدَّعائمُ العشرُ.. للنَّقد البنَّاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > أدب وثقافة وإبداع > الدَّعائمُ العشرُ.. للنَّقد البنَّاء


  الدَّعائمُ العشرُ.. للنَّقد البنَّاء
     عدد مرات المشاهدة: 2007        عدد مرات الإرسال: 0

من أكثر الأمور إشكاليَّةً: إصدارُ حكم على النَّقد، بأنَّه بنَّاء أو هدَّام!.

 

فكلُّ من أراد أنْ يوجِّه نقدًا للآخرين، من أفراد، أو أحزاب، أو دول، سيزعم أنَّ نقده بنَّاء، وأنَّه يبتغي بنقده وجه الله والدَّار الآخرة، ويمارس حقَّه في كشف الخطأ والزَّيف والضَّلال، والتَّحذيرِ من الانحراف، وتقديم النَّصيحة، والغيرة على المصلحة العامَّة.

وكلُّ من يرفض النَّقد الموجَّه إليه، قد يتذرَّع بأنَّ النَّاقدَ صاحبُ غرض شخصيٍّ، وأنَّه لا يعرف أقدار الرِّجال، ولا يلتزم بأدب الخطاب، ولا يملك الكياسة والذَّوق، وأنَّه يتطاول إلى مقام لا يبلُغُه، وأنَّه يوقظ فتنة، ويبُثُّ فُرقة، ويُضعف المعنويات، أو يضعف الشُّعور القومي!.

فهل يضيعُ الحقُّ والصَّواب، ويُعطَّل النَّقد، بين الفريقين؟!.

لنعترفَ ابتداءً أنَّ هناك أمورًا لا يمكن الفصل فيها، ولا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى، وهي ما يتعلَّق بالقلوب والنِّيَّات. فهل الذي انتقَدَ قَصَدَ وجه الله، وابتغى الخير، وحرص على المصلحة... أم أنَّه أراد الحطَّ من قدر صاحبه، والصُّعود على كتفيه، وإبراز ذاته، وبناء مجد شخصيٍّ لنفسه؟!. وهل الذي رفض النَّقد، استند إلى مسوَّغ شرعيٍّ صحيح، أم أنَّه انتصر لنفسه، وأخذَتْهُ العزَّة بالإثم؟!.

وإذا كنَّا لا نملك الحكم على ما في القلوب، فإنَّنا نستطيع إبراز مجموعة من الضَّوابط والدعائم؛ التي يجب أن تحكم عمليَّة النَّقد أو توجِّهها، وتعزِّز من إيجابيَّاتها، وتقلِّص من سلبيَّاتها. وإليك هذه الدَّعائم والضَّوابط للنَّقد البنَّاء:

أولًا: النَّقد البنَّاء عمل مشروع:

فهو لون من ألوان الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، ولون من النَّصيحة:  «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتهم» كما في الحديث الصَّحيح، الذي رواه مسلم. ولقد كان أهل الفضل والإنصاف يفرحون بمن ينتقدهم، ويكشف لهم عيوبهم، ولو كان عدوًّا، لأنَّه يعينهم على معالجة هذه العيوب وتجاوزها.

ثانيًا: كشف الَّناس على حقيقتهم:

إنَّ فسح المجال للنَّقد، قد يتيح الفرصة لبعض المخربين، وأصحاب الأهواء، حتَّى يهدموا ويزرعوا الفتن باسم النَّقد! نعم. ولكن!! إشاعة قيم الإيمان، والأخلاق، وطرق التَّفكير السَّليم، تكشف هؤلاء المخرِّبين، وتجعل بضاعتهم مُزْجاة أمام الجماهير، وتنمِّي الذَّوق الاجتماعي، الذي يميِّز الخبيث من الطَّيب، ويحترم من يلتزم بالأدب، ويتَّصف بالتَّقوى، والاستقامة، والرَّحمة، ويحرص على إعلاء كلمة الحقِّ، وتحقيق المصلحة العامَّة.

ثالثًا: القصد والغاية والهدف:

علينا أنَّ نذكِّر النَّاقد، ونوصِّيه أن يبتغي وجه الله تعالى، وإرادة الخير، وإصلاح الخلل، ولا يقصد الاستعلاء على صاحبه، أو تشويه صورته، فلا معنى لذكر عيوب في شخصه، لا علاقة لها بموضوع النَّقد. فهناك أناس يجعلون النَّقد حرفة لهم، أو هواية، يترصَّدون الأخطاء والهفوات ويتصيَّدونها، ثمَّ يبالغون في إبرازها وتصويرها، ويُتْبعون ذلك سوء الظَّن، ويشكِّكون في الإيجابيَّات، والإنجازات، أو ينكرونها!. وبذلك يُحْبِطون النُّفوس، ويشيعون روح الهزيمة، ومن كان هذا ظاهر حاله، فهيهات!! أن يكون قد ابتغى وجه الله!.

رابعًا: تقديم البدائل:

النَّاقد لا يُلْزَم بتقديم البديل الصَّحيح، للوضع الذي يراه خاطئًا، وإن كان تقديم البديل أفضل وأكمل، فهناك من يدرك الخطأ، لكنَّه لا يستطيع أن يقدِّم صياغة بديلة، ويمكن لمن وقع عليه النَّقد أن يدرسه بموضوعيَّة وجِدِّيَّة، فإن وجد فيه حقًّا وصوابًا أخذ به، وإلا تجاوزه!.

خامسًا: اختيار الأسلوب الأفضل:

على النَّاقد أن يتخيَّر أفضل الأساليب في عرض رأيه، ويتجنَّب الخشونة والفظاظة، حتَّى يُثبت لنفسه وللآخرين، أنَّه يقصد إحقاق الحقِّ، وإبطال الباطل، والتَّوجيه نحو الأصوب، ولا يقصد النَّيل من الأشخاص، والتَّسلُّق على أكتافهم، ولعلَّه إذا التزم بهذا الخلق، فُتحت له القلوب، وهَيَّأَ لنقده أجواء القبول الحسن. نعم، إذا كان النَّقد موجَّهًا للطُّغاة المتجبِّرين، فيجب أن يكون قويًّا مؤثِّرًا، وإن أغضبهم، لأنَّ هؤلاء في الغالب بحاجة إلى مَن يأْطِرهم على الحقِّ أطرًا، كما أشارت إليه الأحاديث الصَّحيحة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:  «والله لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخُذُنَّ على يد الظَّالم، ولتأطُرُنَّه على الحقِّ أطرًا، ولتَقصُرُنَّه على الحقِّ قصرًا، أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض» رواه أبو داود والتِّرمذي، وقال الترمذي: حديث حسن.

سادسًا: حصافة النَّاقد وذكاؤه:

على النَّاقد أن يكون حصيفًا متوازنًا، فيكتفي بالإشارة العابرة إذا كان الخلل الذي يراه يسيرًا، ويشدِّد ويؤكِّد إذا كان الخلل الذي ينتقده خطيرًا، وهو- في كلِّ الأحوال- مطالَب بأن يكون رفيقًا في أسلوبه، ليِّنًا في كلامه، لا يصل إلى التَّجريح والإهانة والاستفزاز، فإذا كان قول الحقِّ أمرًا مسلَّمًا فيه، لا نزاع فيه ولا مساومة عليه، فإن الأسلوب يجب أن يقترن بالحكمة، وليس هناك خلل أشدُّ من قول الطَّاغية فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]. وقوله: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النَّازعات: 24]. كما حكى عنه القرآن الكريم، ومع ذلك أمر الله تعالى رسوليه موسى وهارون فقال: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43- 44].

سابعًا: كلُّنا معرَّضون للخطأ:

ليعلم النَّاقد أنَّه هو كذلك معرَّض للخطأ والصَّواب، سواء فيما ينتقد أو في شؤونه الأخرى، وأنَّ ما يقدِّمه من نقد، إنَّما هو- في الغالب- وجهةُ نظَرٍ له، وليس أمرًا يُصْدِرُه، وعلى الآخر أن ينفِّذ. هناك في كلِّ بيئة أو مؤسسة جهةٌ ما، تملك المحاسبة، واتِّخاذ القرار، وليس هذا متروكًا لكلِّ ناقد. ومن تمام ذلك أنَّ النَّاقد البصير المنصف، يأخذ نفسه بالتَّوجيه والنُّصح والالتزام بالحقِّ والصَّواب، قبل أن يوجِّه النَّقد لغيره، لاسيما في الموضوع الذي يجعله محلَّ النَّقد، فلا يتَّهم الآخرين بالاستبداد بالرَّأي، وهو مستبد برأيه، ولا يعيب على غيره العمل الارتجالي البعيد عن التَّخطيط، وهو ارتجالي أهوج. إنَّه التزام النَّاقد بالصَّواب الذي يدعو إليه، يبرِّئ ذمَّته أمام الله أولًا، ويجعل لنقده قبولًا في نفوس الآخرين.

وممَّا يُروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- قوله: (من نصب نفسه للنَّاس إمامًا، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه).

ثامنًا: قبول النَّقد بصدرٍ رحْبٍ:

على من تلقَّى انتقادًا من غيره، ينبغي أن ينظر في موضوع الانتقاد نفسه، ولا يرفضه بحجَّة أنَّه لم يأتِه بأسلوب حسنٍ، ولباقةٍ عالية!.

تاسعًا: تمام التَّجرد:

على من وُجِّه إليه النَّقد، أن يبرِّئ ذمته أمام الله أولًا، وأمام عباد الله ثانيًا، بأن يأخذ بالرَّأي الصَّحيح متى استبان له، وأن يتجاوز الخطأ متى عرفه، وأن يوضِّح الأمر للنَّاقد؛ إذا كان قد بنى نقده على ظنٍّ خاطئ. وفي سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه هدايةٌ لمن طلب الهداية: فعندما نهى عمر رضي الله عنه عن الغلوِّ في صَداق النِّساء، بألا يزيد على أربعمائة درهم، قالت له امرأة من قريش: أما سمعت الله يقول: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20]. فقال: (غُفْرًا!! كلُّ النَّاس أفقه من عمر). ثمَّ رجع إلى المنبر فقال: (أيُّها النَّاس: إني كنتُ نهيتكم أن تزيدوا النِّساء في صدُقاتهنَّ على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطيَ من ماله ما أحب!.) والحديث بتمامه في مسند أحمد، ومسند أبي يعلى، بألفاظ متوافقة. وعندما جاءت عمرَ بُرُودٌ من اليمن، فرَّقها على النَّاس بُردًا بُردًا، ثمَّ صعد المنبر يخطب، وعليه حُلَّةٌ منها أي بُردان اثنان، فقال: (اسمعوا، رحمكم الله!). فقام إليه سلمان رضي الله عنه فقال: (والله ما نسمع). فقال عمر: (ولِمَ؟) فقال: (يا عمر!! فرَّقتَ علينا بُردًا بردًا، وخرجتَ تخطب في حُلَّة!). فنادى عمر ابنه عبد الله، فشهد أنَّ أحدَ البردين له؛ أي لعبد الله بن عمر وقد استعاره منه!. فقال سلمان: (أمَّا الآن فقل نسمعْ ونطِعْ!).

ففي القصَّة الأولى الأخذ بالرَّأي الصَّحيح متى استبان له. وفي الثَّانية بيان وجه الصَّواب، وجلاء الحقيقة التي غابت عن النَّاقد.

عاشرًا: التَّعلُّم من الأخطاء:

من سنَّة الحياة أن يعلو صوت النَّقد، وتختلط أصوات النَّاقدين عندما يظهر الإخفاق، أو تحدُث الهزيمة، بل قد ينضمُّ إلى النَّاقدين من كان يسير في الركب راضيًا، ومن كان يُثني ويمدح ويتملَّق!. إنَّه أمر من طبيعة البشر. وعلى الآخر أن يتحمَّل ويصبر، ويستفيد من التَّغذية الرَّاجعة ويتعلَّم من خطئه.

الكاتب: سعد العثمان.

المصدر: موقع المسلم.